هل كانت شوكة بولس مرض جسدي ؟

25/06/2015 00:15

 

شوكة بولس الرسول :

 

إن شوكة بولس تُعد واحدة من أكثر المعوقات شيوعاً والتي تُعيق خدمة الشفاء الإلهي. فواحدة من المزاعم الخاطئة والتي تقود للأخرى هو تفسير شوكة بولس باعتبارها مرضاً جسدياً، حتى انتشر تعليم شائع بأن الله هو مصدر الأمراض وأنه يختار بعضاً من أكثر أولاده الأتقياء ليبتليهم بالأمراض حتى يمجدوه بتحملهم وصبرهم للمرض. وهذا حتماً أدى إلى الإعتقاد بأن شوكة بولس كانت مرضاً قد رفض الله أن يشفيه منها. وقد ترك هذا الإعتقاد مرضى كثيرون على فراش المرض لا يعرفون كيف ينالون شفائهم، بسبب اعتقادهم بأن الرب قد رفض أن يشفي بولس

لكن بدراستي لكلمة الله وصلت إلى هذا الإستنتاج وهو أن أي إنسان بحث عن موضوع الشفاء الإلهي في كل ما تكلم به الله في كلمته سواء في العهد القديم والجديد لا يمكنه أن يستخلص فكرة كهذه. وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك بعض الخدام الأتقياء الذين لا يزالون يؤمنون بهذا الزعم بل وانهم يقاومون موضوع الشفاء الجسدي تماماً. هذا لأنهم لم يأخذوا وقتاً ليدرسوا ويفحصوا كلمة الله بدقة

لقد ذُكرت شوكة بولس في رسالة كورنثوس الثانية إصحاح 12 

٧ وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ

٨ مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي

٩ فَقَالَ لِي:«تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ

١٠ لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ

كيف استخدم تعبير شوكة بولس في الجسد في الكتاب المقدس ؟ 

إن التعبير الذي استخدمه بولس ليصف به شوكته ليس جديداً في الكتاب المقدس. فقد ذُكر هذا التعبير " شوكة في الجسد" مراة عديدة في العهد القديم. لكن لا توجد مرة واحدة سواء في العهد القديم أو الجديد قد جاء فيها هذا التعبير بالإرتباط بالأمراض أو العلل الجسدية. بل كان دائماً يأتي بصورة تشبيهية رمزية. وفي كل مرة قد استخدم فيها هذا التعبير في صفحات الكتاب المقدس كان يشير دائماً إلى رمز واحد، كما سنرى الآن

عدد 55/33

وَإِنْ لَمْ تَطْرُدُوا سُكَّانَ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ يَكُونُ الَّذِينَ تَسْتَبْقُونَ مِنْهُمْ أَشْوَاكًا فِي أَعْيُنِكُمْ، وَمَنَاخِسَ فِي جَوَانِبِكُمْ، وَيُضَايِقُونَكُمْ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمْ سَاكِنُونَ فِيهَا

يشوع 13/23

فَاعْلَمُوا يَقِينًا أَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ لاَ يَعُودُ يَطْرُدُ أُولئِكَ الشُّعُوبَ مِنْ أَمَامِكُمْ، فَيَكُونُوا لَكُمْ فَخًّا وَشَرَكًا وَسَوْطًا عَلَى جَوَانِبِكُمْ، وَشَوْكًا فِي أَعْيُنِكُمْ، حَتَّى تَبِيدُوا عَنْ تِلْكَ الأَرْضِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعْطَاكُمْ إِيَّاهَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ

إن كلمة الله تشرح نفسها بنفسها. فالكتاب المقدس يخبرنا بوضوح بأن تعبير "شوك في الأعين" و " مناخس وسوطاً في الجانب" لا يشيران بصورة حرفية إلى أمراض تصيب العينين أو أجاع في الجانب. بل كانا يشيران إلى بشر.. إلى ما كان يفعله سكان أهل كنعان مع شعب الله

شواهد أخرى قد ذُكر فيها التعبير " شوكاً في الجسد" في العهد القديم

صموئيل الثاني 6/23

وَلكِنَّ بَنِي بَلِيَّعَالَ جَمِيعَهُمْ كَشَوْكٍ مَطْرُوحٍ، لأَنَّهُمْ لاَ يُؤْخَذُونَ بِيَدٍ

حزقيال 24/28

فَلاَ يَكُونُ بَعْدُ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ سُلاَّءٌ مُمَرِّرٌ وَلاَ شَوْكَةٌ مُوجِعَةٌ مِنْ كُلِّ الَّذِينَ حَوْلَهُمُ، الَّذِينَ يُبْغِضُونَهُمْ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا السَّيِّدُ الرَّبُّ

في جميع الشواهد التي استخدمت فيها كلمة " شوك " ، وبدون استثناء، كانت تشير إلى أشخاص. وكما هو الحال في جميع المواضع الكتابية السابقة التي تعرّف ما هو المقصود من الشوكة، كذلك أيضاً بولس يضع تعريفاً لما يعنيه باستخدامه للشوكة.  angelous فهو يقول أنها كانت : " ملاك الشيطان في الأصل اليوناني


"إن الأصل اليوناني لكلمة ملاك هو " أنجلوس
 وقد استخدم في العهد الجديد 188 مرة، تُرجم إلى ملاك في 181 مرة ورسول في 7 مرات. ففي المواضع التي ذُكرت فيها هذه الكلمة كانت تشير إلى شخص دائماً وليس إلى شيء – وبدون استثناء واحد

كانت شوكة بولس شخصاً / ملاك الشيطان

لقد ذكر بولس أن الشوكة التي أُصيب بها كانت "ملاك الشيطان". كما أخبر أيضاً ماذا فعل له هذا الملاك: "ليلطمني" (لطمة هي من الكلمة اليونانية
[kolaphizo]
 . يأتي أصل هذا الفعل في اليوناني بصيغة المضارع المستمر: " ليسدد إليّ لطمة تلو الأخرى..." وقد استخدم هذا الفعل عندما لُطم المسيح أثناء الصلب. تقول ترجمة وايموث لهذا الشاهد: " ... ملاك الشيطان ليضربني لطمة بعد الأخرى..." وهذا يعني أنها كانت لطمات متكررة من إبليس

متى 26/67 حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ

هذه هي نفس الكلمة اليونانيّة
[kolaphizo]
 الذي أرسلهم الشيطان لضرب يسوع بأيدهم وكما لُطم المسيح لُطم رسله 

 كورنثوس الأولى 10/4-11 نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي الْمَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلاَ كَرَامَةٍ! إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ

مرة أخرى هذه نفس الكلمة اليونانية
[kolaphizo]
 تم الضرب من قبل أؤلئك الذين يكرهون انتشار الإنجيل . كما احتقروا المسيح وضربوه ، بولس تم معاملته بنفس الطريقة من رسول الشيطان . فقط طرحوه في السجن وضربوه وتبعوه من مدينة إلى مدينة وجعله حياة الرسول ببشارة الإنجيل صعبة

فإن كانت لطمة بولس مرضاً، لكان ذلك يعني أن بولس قد تألم من أمراض كثيرة أو على الأقل من مرض واحد كان يصيبه مرة بعد الأخرى. لكن الشوكة التي عانى منها بولس كانت اضطهادات وضيقات، فقد كان الشيطان يثير عليه البشر ليضطهدوه مرة بعد الأخرى كما سنرى لاحقاً

 كورنثوس الثانية 8/12

مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي

إن الأصل اليوناني يستخدم الضمير العاقل "هو" بالإرتباط مع الفعل " يفارقني" لذلك يمكننا أن نقرأ هذا الشاهد هكذا : " من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات ان يفارقني هو". كذلك استخدم ضمير الملكية العاقل " إنه " ليصف به ملاك الشيطان: " أعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني 

ومن هنا يتضح أن بولس قد استخدم ضمير العاقل ليصف به الشوكة التي أصيب بها. لذلك فمن خلال ضميري العاقل اللذين استخدما مع كل من الكلمتين " ملاك" و " شوكة" يتضح أن شوكة بولس كان أشخاصاً يستخدمهم الشيطان ويحركهم ضده، وليس مرضاً كما يفسر البعض . لأنه لا يمكن لأحد أن يستخدم ضمير العاقل عندما يتكلم عن إلتهاب في الأعين

عندما نبحث عن المواضع الذي استخدم فيها هذا الفعل " يفارق" في العهد الجديد نجد أنه ذُكر 17 مرة وفي كل مرة كان يأتي دائماً بالإرتباط بالأشخاص وليس بالأشياء. على سبيل المثال

وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ. لوقا 13/4

فَجَازَا الْمَحْرَسَ الأَوَّلَ وَالثَّانِيَ، وَأَتَيَا إِلَى بَابِ الْحَدِيدِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْمَدِينَةِ، فَانْفَتَحَ لَهُمَا مِنْ ذَاتِهِ، فَخَرَجَا وَتَقَدَّمَا زُقَاقًا وَاحِدًا، وَلِلْوَقْتِ فَارَقَهُ الْمَلاَكُ.أعمال 10/12

هكذا يتضح أن الشوكة التي تكلم عنها بولس كانت شخصاً (إبليس مستخدماً البشر ضده) وليس مرضاً

بما كان الشيطان يلطم بولس ؟ 

بعد حادثة تجديد بولس مباشرة، تكلم الرب إلى حنانيا قائلاً: " ... وسأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل إسمي!" لم يكن الرب يقصد أن بولس سوف يتألم من أمراض وأسقام، بل من اضطهادات وضيقات (وهذه التي وصفها بولس باللطمات). فقد اضطهد شاول ( بولس قبل التجديد ) المؤمنين وعذبهم كثيراً لأجل اسم يسوع، والآن هو يُضطهد لأجل ذات الإسم

يستعرض بولس في الشواهد التالية كيف كان الشيطان يلطمه وكيف كانت اللطمات تتوالى عليه من حين لآخر وما شكل هذه اللطمات

 كورنثوس الثانية 11/ 23-33

٢٣ أَهُمْ خُدَّامُ الْمَسِيحِ؟ أَقُولُ كَمُخْتَلِّ الْعَقْلِ، فَأَنَا أَفْضَلُ: فِي الأَتْعَابِ أَكْثَرُ، فِي الضَّرَبَاتِ أَوْفَرُ، فِي السُّجُونِ أَكْثَرُ، فِي الْمِيتَاتِ مِرَارًا كَثِيرَةً.

٢٤ مِنَ الْيَهُودِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَبِلْتُ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً إِلاَّ وَاحِدَةً

٢٥ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ضُرِبْتُ بِالْعِصِيِّ، مَرَّةً رُجِمْتُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ انْكَسَرَتْ بِيَ السَّفِينَةُ، لَيْلاً وَنَهَارًا قَضَيْتُ فِي الْعُمْقِ

٢٦ بِأَسْفَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، بِأَخْطَارِ سُيُول، بِأَخْطَارِ لُصُوصٍ، بِأَخْطَارٍ مِنْ جِنْسِي، بِأَخْطَارٍ مِنَ الأُمَمِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْمَدِينَةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، بِأَخْطَارٍ فِي الْبَحْرِ، بِأَخْطَارٍ مِنْ إِخْوَةٍ كَذَبَةٍ.

٢٧ فِي تَعَبٍ وَكَدٍّ، فِي أَسْهَارٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي جُوعٍ وَعَطَشٍ، فِي أَصْوَامٍ مِرَارًا كَثِيرَةً، فِي بَرْدٍ وَعُرْيٍ

عزيزي القارئ، من كل تلك القائمة السابقة، أين ذُكرت كلمة " مرض" أو " سقم" ؟ إن كان المرض كما يرى البعض من الأمور التي تألم منها بولس فلماذا لم يدرجها ضمن تلك القائمة الطويلة ؟ إن الحقيقة هي أن بولس حاله كحال جميع المؤمنين لا ينبغي أن يتألم من الأمراض والأسقام لأن المسيح قد حملها بدلاً عنه

لا ينبغي أن نتبع آلام المسيح الكفارية لأنه في هذا الأمر قد أخذ مكاننا ، إلا أنه علينا أن نتألم في إتباعنا لمثاله. فالكتاب المقدس يقول في 1بطرس 21/2 فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ لأَجْلِنَا، تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ

لقد تألم المسيح عندما شُتم واضطهد وتكلموا ضده. من ناحية أخرى، فإننا نتألم أيضاً من الإضطهادات. فربما يتكلم الناس عليك أو يشتموك... وهذا هو ما يتكلم عنه الكتاب. عندما شُتم يسوع واضطهد من الناس لم يهددهم بل مضى واحتمل

كيف تجاوب الرب مع تضرع بولس ؟ 

 كورنثوس الثانية 9/12

فَقَالَ لِي:«تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ

لقد رأى بولس أن نعمة الله كافية لتقوّي إنسانه الداخلي حتى يتحمل كل تلك الإضطهادت والضيقات. ثم أكل قائلاً:  فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ.

إني أتساءل مرى أخرى : أين ذُكر المرض والعلل الجسدية ؟ لماذا لم يقل: " تسرني الأمراض والأسقام والتهاب الأعين" ، لأنه كان يعلم جيداً ان يسوع قد حملهم ينابة عنه، لذا لا داعي له أن يحملها مرى أخرى. 

إن يسوع لم يقل "لا" لبولس. إنما قال له تكفيك نعمتي وكأن الرب يقول له: " ما تحتاجه يا بولس هو نعمة (في اليوناني
   والتي تعني مسحة وقوة charisma والذي يُشتق منها الكلمة charis

  لتواجه هذا الإضطهاد. وهذه النعمة موجودة في داخلك. لا تتضرع إليّ لأفعل لك شيئاً إن النعمة ستعطيك القدرة لتخرج من كل ضيق وألم منتصراً 

هناك حادثة رائعة توضح استعلان مسحة الله من خلال بولس بدرجة عظيمة

أعمال 19/14-22

١٩ ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ، فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ

٢٠ وَلكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ التَّلاَمِيذُ، قَامَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَفِي الْغَدِ خَرَجَ مَعَ بَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ

٢١ فَبَشَّرَا فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَتَلْمَذَا كَثِيرِينَ. ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَنْطَاكِيَةَ

٢٢ يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ التَّلاَمِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ، وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ

ألم تسأل نفسك من قبل كيف يمكن لبولس بعدما رُجم حتى صار على وشك الموت أن يقوم بعدها بدقائق ويتوجه للمدينة ثم يسافر في اليوم التالي ليبشّر ويكرز ويتلمذ تلاميذ هناك ؟ كيف يمكن لشخص قد تعرض لمثل تلك الآلام المبرحة أن ينهض منها صحيحاً مشفياً وكأنه لم يحدث شيء ؟ هذه هي نعمة الله التي أنهضت جسده. هذا هو عمل النعمة الذي قال له الرب: تكفيك نعمتي إنها تكفيك لأنها كافية لتحررك وتشفيك وتنهضك بغض النظر عن هول الضيق التي تمر به أو بشاعة الألم الذي تتعرض له

هل الضعف الذي كان بولس يعاني منه هو مرضاً ؟ 

تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ

إن حاولنا أن نفسر هذه الكلمة بعيداً عن سياق المكتوب، فربما ننتهي إلى أنها تعني مرض أو علّة جسدية. لذلك لا بد أن نفسرها في سياق النص الكتابي الذي جاءت فيه. وعندما نرجع إلى كلمة الله سنجد أن بولس بنفسه قد عرّف ماذا يعني بكلمة ضعف التي استخدمها في تلك الأعداد: فقال في إصحاح 11 وعدد 29 من يضعف ولا أضعف أنا .. إن كان لا بد من الإفتخار ، فإني سأفتخر بأمور ضعفي. إن أمور ضعفه التي كان يفتخر بها هي كل تلك القائمة التي سردها من عدد 23 إلى 29 من جلدات وضربات .... 

لماذا شوكة بولس ؟ 

إن كل من تحل به كارثة أو يمرض مرضاً مستعصياً يفشل الأطباء في علاجه تجده يقول، " إنها شوكة يا أخي المحبوب . إن الرب يريد أن يعلمني درساً .. " إني أسأل كل من يقول مثل هذا الكلام: هل تحثت في الكتاب المقدس لتعرف لأي سبب قد أُعطيت شوكة بولس حتى يمكنك أن تطبقها على نفسك؟ 

لقد أعطيت شوكة بولس لئلا يرتفع بفرط الإعلانات الإلهية،  الكتاب يذكر أن ما حدث لبولس أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ، وَسَمِعَ كَلِمَاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا، وَلاَ يَسُوغُ لإِنْسَانٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا. مِنْ جِهَةِ هذَا أَفْتَخِرُ. وَلكِنْ مِنْ جِهَةِ نَفْسِي لاَ أَفْتَخِرُ إِلاَّ بِضَعَفَاتِي. 2كورنثوس 4/12-5 .  لقد كتب وحده أكثر من نصف العهد الجديد. وكانت لديه إعلانات تفوق جميع باقي الرسل الآخرين . والآن أريد أن أوجه سؤالاً لكل من يدعي أن لديهم شوكة في الجسد: كم من إعلانات كتابية قد نلتها ؟

إن معظم لو لم يكن الكل الذين يدعوا أن لديهم أشواكاً في الجسد مثل بولس لم ينالوا بضعة إعلانات من كلمة الله

في النهاية أود أن أطرح بعض التساؤلات التي تحسم هذه القضية

لماذا لم ينادي بولس بشوكته في كل كنيسة كان يعلّم بها؟ 

لماذا لا نجد في أي رسالة من الأربعة عشر رسالة التي كتبها ذكراً لتلك الشوكة ؟ 

لماذا ظل صامتاً لمدة اربعة عشر عاماً على هذه " البركة الإلهية " التي منحها له الرب يسوع المسيح كما يعتقد البعض؟ أما كان ينبغي عليه أن يشارك بها كل المؤمنين في كل مكان حتى يتمتعوا بتلك " البركة " ؟

بعض الشواهد الكتابية التي يقرنها البعض بموضوع شوكة بولس 

غلاطية 4

١٣ وَلكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بِضَعْفِ الْجَسَدِ بَشَّرْتُكُمْ فِي الأَوَّلِ

١٤ وَتَجْرِبَتِي الَّتِي فِي جَسَدِي لَمْ تَزْدَرُوا بِهَا وَلاَ كَرِهْتُمُوهَا، بَلْ كَمَلاَكٍ مِنَ اللهِ قَبِلْتُمُونِي، كَالْمَسِيحِ يَسُوعَ

١٥ فَمَاذَا كَانَ إِذًا تَطْوِيبُكُمْ؟ لأَنِّي أَشْهَدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي

كثيرون يقتبسون هذا الشاهد ليبرهنوا على أن الشوكة التي كان يعاني منها بولس كانت مرضاً في العينين ، والدليل أن اهل غلاطية أرادوا أن يقتلعوا أعينهم لبولس كتعويض

إن عبارة لَوْ أَمْكَنَ لَقَلَعْتُمْ عُيُونَكُمْ وَأَعْطَيْتُمُونِي. هو مصطلح مشهور في الشرق الأوسط وكثيراً ما يتداول بصورة عامية حيث يقول، " عيني عليك" وهي فيها تعبير عن معزّة الشخص حتى أنه يساوي عيني الإنسان

غلاطية 11/6

١١ اُنْظُرُوا، مَا أَكْبَرَ الأَحْرُفَ الَّتِي كَتَبْتُهَا إِلَيْكُمْ بِيَدِي

هناك من يقتبسون هذا الشاهد ليؤكدوا أن بولس كان يعاني من ضعف في الإبصار أدى به إلى العمى. لذلك اضطر أن يكتب Vine بأحرف كبيرة حتى يستطيع أن يرى كتابته. لكن عندما نبحث في قاموس
 التوضيحي لمعاني كلمات العهد الجديد سنكتشف ماذا كان بولس يقصد بقوله حروف كبيرة
 Vine يقول قاموس "فاين"
  : إن كلمة "كبيرة" تشير إلى الحروف الإستهلالية  تسمى
 Capital letter
a وهي تتضح أكثر في اللغات الأجنبية حيث تتخذ الحروف شكل كبيراً عن الحروف الصغيرة مثال: حرف
حرف إستهلالي A يختلف في الشكل عن نظيره
 وهذه الحروف نبدأ بها الأسماء أو نبدأ بها الكتابة في بداية الجملة تأكيداً على أهمية تلك الكلمات

 Vine كما يقول أيضاً قاموس فاين

 : إن كلمة " كبيرة"  تعني عظيمة وهذا الكلمة تستخدم عندما نريد أن نميّز شخص عن مجموعة كبيرة من الأشخاص . فنقول " هذا الشخص عظيم" ، أي بمعنى أنه يختلف عن كل باقي الأشخاص الذين حوله. ومن هنا يتضح ماذا كان يقصده بولس باستخدامه لهذه الكلمة، فهو يقول: " انتبهوا جيداً إلى ما سوف اكتبه الآن . إنه يختلف عن كل الكلام التي كتبته سابقاً 

في النهاية أدعوك أن تفعل ما فعله أهل بيريّة الذين عندما سمعوا بولس (أعظم المعلمين في ذلك الوقت) كانوا يفحصون ما يسمعونه منه في ضوء الكتب: وَكَانَ هؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا؟ أعمال 11/17

 

الخادم الاخ جورج حداد