الرسولية المُضْطهَدَة في القرون الوسطى

03/10/2016 18:23

 

  • مقتطفات تاريخية  عن العصور المظلمة واضطهاد الكاثوليك والبروتستانت للرسوليين  

     

    إنكار التثليث Nontrinitarianism (أو معاداة التثليث antitrinitarianism) يشير إلى أنظمة معتقدات توحيدية ، أساساً ضمن المسيحية، والتي ترفض عقيدة التثليث المسيحية، وبالتحديد، تعليم أن الرب هو ثلاث أقانيم hypostases أو أشخاص مميزة إلا أنها متشاركة في الخلود، ومتساوية ومتحدة دون قابلية للانفصال في جوهر واحد أو ousia.

     

    وحسب الكنائس التي تعتبر قرارات المجامع المسكونية نهائية، فإن التثليث قد تم تعريفه بشكل لا يقبل الدحض في المجمع المسكوني الأول (مجمع نيقيا) في 325 م.ويختلف منكرو التثليث مع قرارات المجمع لأسباب مختلفة، منها اعتقاد أن الكتاب المقدس كما يفهموه يأخذ الأولوية قبل العقائد، أو أنه كان يوجد ردة كبرى قبل المجمع. وقد قمعت الكنيسة والدولة في اوروبا المعتقد المنكر للتثليث كبدعة من القرن الرابع وحتى القرن 18 واليوم، يمثل منكرو التثليث أقلية ضئيلة بين المسيحيين المتمسكين بدينهم.

     

     

    تتباين، بشكل واسع، وجهات النظر المنكرة للتثليث حول طبيعة الأب، يسوع، والروح القدس. وقد تواجدت وجهات نظر منكرة للتثليث، مثل Adoptionism،Monarchianism والأريوسية، قبل التعريف الرسمي لعقيدة التثليث في 325، 360، و 431 م، في مجامع نيقيا، القسطنطينية، وإفسوس.وقد تجدد انكار التثليث لاحقاً في غنوصية الكاثار القرون من الحادي عشر وحتى الثالث عشر، وفي عصر التنوير في القرن 18، وفي بعض الجماعات التي نشأت أثناء الصحوة الكبرى الثانية في القرن 19.

     

    الجماعات أو الطوائف الحديثة المنكرة للتثليث تضم Christadelphians, علماء المسيحية, كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة (المورمون), طلاب فجر الكتاب المقدس ، أصدقاء المؤتمر العام، كنيسة ني كريستو، شهود يهوا ، لا لوز ديل موندو ، كنيسة الله الحي ، وحدانية العنصرة ، أعضاء كنيسة الله الدولية، ديانة الموحدين المسيحيين والكنيسة المتحدة لله. الإسلام، الذي يعتبر يسوع نبياً ولكن ليس مقدساً، هو منكر للتثليث حين يُقارَن بالمسيحية: فتعاليم الإسلام تقضي بأن الله واحد أحد (انظرالرب في الإسلام)، بل ويتميز أكثر في انكار التثليث في عدة آيات بالقرآن تقول بأن القول بالتثليث هو كفر.

     

     

     

     

     

    الكلمتان المضللتان اللتان نود التوقف أمامهما كثيرا فهما كلمة heresy وترجمتها الحرفية هرطقة وكلمة atheist وترجمتها الحرفيه ملحد. فمن المفهوم أن شخصا ما عندما يصف آخر بالكفر فإنه يعنى أنه غير مؤمن بما يؤمن به هو. وهكذا فالبوذي بالنسبة للزرادشتي كافر أو ملحد، والزرادشتي بالنسبة للبوذي كافر أو ملحد، والهندوسي بالنسبة للمانوي كافر أو ملحد، والعكس بالعكس، وهكذا يتحدث كل شخص من خندقه أو من منطلقه أو من خلفيته الثقافية هو، وعلى ذلك فعندما أقرأ في كتاب أوروبي أن جماعة ما أو شخصا ما من الملحدين أو من الهراطقة فإن هذا يتطلب مني أن أعرف خلفية المؤلف الدينية والثقافية ولا أكتفي بنقل الكلمة حرفيا، وانتهى الأمر. فمن هم الهراطقة الذين نقرأ عنهم في التاريخ الأوربي؟ إنهم الذين أنكروا التثليث، وقالوا إن الله واحد أحد One Sole وليس ثالث ثلاثة، فاعتبرتهم المذاهب المسيحية الأخرى كلها هراطقة، بينما اعتبروا هم أنفسهم من المسيحيين الحقيقيين، وجرى العرف في كتب التاريـخ الأوربـي كلها علــى أنهم "هراطقة"، وأن مذهبهم هو الهرطقة herecy بعينها، وترجم المترجمون العرب هذه الكلمة على علاتها. فهل هذا بالنسبة لي أنا كمسلم صحيح؟ أمن يقول إن الله واحد مسيحي مهرطق ومن يقول إن الله ثالث ثلاثة مسيحي صحيح المسيحية؟. الترجمة ليست نقلا من حرف إلى حرف أو من كلمة إلى كلمة أو حتى من لغة إلى لغة، وإنما هي نقل من ثقافة إلى ثقافة، وإلاّ أدّى الأمر إلى أن يفهم القارىء العربي عكس المطلوب. المهم أن هؤلاء المناهضين للتثليث تعرّضوا لأذى شديد فتشتتوا ودخلوا في المذاهب المسيحية الأخرى، وظلوا محتفظين بعقيدتهم سرا، وظل وجودهم مستمرا منذ القرن السادس عشر، وها نحن نقابلهم مرة أخرى في أثناء الثورة الفرنسية، فوصفهم مسيحيون آخرون بأنهم هراطقة، ووصفت الثورة الفرنسية بأنها ثورة هراطقة، وليس الأمر كذلك، ولجدة هذه الأفكار ربما حتى بالنسبة لبعض المثقفين، نورد فيما يلي البحث التالي الذي نشرته إحدى الدوريات المتخصصة:

     

     

    اتهم الكاثوليك لوثر ورفاقه بالخروج على المسيحية واتهم البروتستنت الكاثوليك بأنهم ليسوا على المسيحية الصحيحة، ولكن الطرفين - الكاثوليك والبروتستنت - تعاونا معا في إحراق جماعة أخرى واضطهادها، هي الجماعة المناهضة للتثليث. وهي تشكل حركة بكل معاني الكلمة في التاريخ الأوروبي، وتشير لها مراجع التاريخ الأوروبي العام، وتاريخ الأديان التي كتبها أوروبيون تحت عنوان شامل، هو الهراطقة والهرطقة. وتشير الكتب العربية التي تناولت التاريخ الأوروبي إلى هذه الحركة بالتسمية نفسها التي تسميها بها المراجع الأوروبية، وهذا خطأ واضح. وقد اعتمد في هذا البحث على وثائق منشورة ومصادر أصلية. ولعل هذا البحث يكون فاتحة لبحوث أخرى عن هذه الحركة المجهولة، مكتوبة من وجهة نظر عربية إسلامية.

     

    المعروف أن القرن السادس عشر في أوروبا قد شهد حركة شهيرة عرفت بحركة الإصلاح الديني، نتج عنها مذهب جديد، عرف بالمذهب البروتستني، منشقا عن كنيسة روما الكاثوليكية. وكان الكاثوليك وكنيستهم يسمون هؤلاء المعترضين البروتستنت هراطقة أو مبتدعين. وقد شغل هذا الصراع بين البروتستنت والكاثوليك مساحة كبيرة في كتب التاريخ الأوروبي، وهو جدير بهذه المساحة وأكثر. فقد شارك هذا الصراع في صياغة خريطة أوروبا المعاصرة. فالصراع بين الكاثوليك والبروتستنت كان أحد أسس ثورة الأراضي المنخفضة التي نتج عنها قيام كيانين: هولندا فبلجيكا. وهذا الصراع نفسه هو الذي أصل وعمق استقلال سويسرا، مما أدى إلى اعتراف مجتمع الدول الأوروبية بها في النهاية كدولة مستقلة سنة 1648م في صلح وستفاليا. وهذا الصراع نفسه هو الذي صاغ تاريخ إنجلترا (بريطانيا فيما بعد)، فلا أحد إذن يقلل من أهمية حركة الإصلاح الديني التي تزعمها لوثر أولا وتلاه زونجلي فكلفن. تلك العصبة التي أطلق عليها الكاثوليك اسم الهراطقة أو المبتدعين.

     

     

    وهذه الحركة الإصلاحية التي تزعمها لوثر، فزونجلي وكلفن بعده اختلطت فيها العوامل الاقتصادية والسياسية الاجتماعية والدينية، فقد أزكاها رغبة الأمراء الألمان في الاستيلاء على أملاك الكنيسة الكاثوليكية في مقاطعاتهم. كما أزكاها رغبة الامبراطور في عدم تدخل البابا في شؤونه. كما أن رغبة الملك الإنجليزي هنري الثامن في طلاق زوجته، كانت أحد العوامل في تبنيه منهجا إصلاحيا وخروجه على البابا، لكن الباحثين في التاريخ الأوروبي يغفلون أو يشيرون على استحياء إلى حركة إصلاحية دينية من نوع آخر زامنت وواكبت حركة مارتن لوثر، تلك هي حركة الموحدين Unitarians أو المناهضين للتثليث. ولقد حظي هؤلاء الموحدون باتهامات من الكاثوليك والبروتستنت معا. وحركة الموحِّدين الأوروبيين تلك حركة دينية خالصة، وإصلاح ديني خالص لم تختلط فيها الأطماع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بدليل أن هذه الحركة اتخذت شكل المناظرات والمناقشات الفكرية في الغالب الأعم، ولم يلجأ القائمون عليها إلى عقد محالفات مع أمراء أوروبا، أو لم ينجحوا في ذلك. كما أنهم اتخذوا إنشاء المدارس والكليات طريقا لبث دعوتهم كما سيتضح من ثنايا هذا البحث. كما أن عددا كبيرا من المنخرطين في سلك هذه الدعوة كانوا من العلماء الأفذاذ في مختلف المجالات. وتلك الحركة هي موضوع هذا البحث الذي أرجو أن يكون بداية تعقبها بحوث أخرى.

    إراسموس والبداية

     

    كانت بداية إثارة الأفكار المناهضة للتثليث في التاريخ الأوروبي الحديث على يد أحد رواد الحركة الإنسانية في القرن السادس عشر، ونعني به إرازم Erasmus. لقد أقدم إراسموس  على الرجوع إلى نسخ عديدة من الإنجيل باللغة اليونانية ولم يكتف بالرجوع إلى الترجمات اللاتينية المتاحة. وشرع يترجم من اليونانية مباشرة إلى اللاتينية. وقرر إراسموس أنه وجد في النص الإنجيلي الشائع على أيامه كثيرا من الأخطاء الواضحة. والأهم من هذا أنه عندما أصدر الإنجيل الذي ترجمه، والإنجيل اليوناني الذي حققه من نسخ عديدة سنة 1516م أسقط منه العبارات المتعلقة بالتثليث أو على حد تعبير " دائرة معارف الدين والأخلاق" His omission of the famous Trinitarian verse" Encyclopedia of Religion and Ethic ولم يكن من الممكن للرأي العام المسيحي وقتها أن يعتبر هذا خطأ غير مقصود أو سهوا أو خللا طباعيا، خاصة وأن من جملة الأفكار الأساسية التي كان يرددها الإنسانيون ومن بينهم إرازم في ذلك الوقت أنه ينبغي أن ينفض العالم المسيحي كل ما يظن أنه دخيل على المسيحية. وأنه من الضروري الرجوع للأصول الأولى قدر الممكن. كما كان من الآراء التي يرددها اراسموس أن الإنجيل (العهد الجديد) الشائع على أيامه زاخر بالأخطاء اللغوية والأخطاء في المعاني الناتجة عن عدم فهم فيلولوجية اللغتين اليونانية واللاتينية. ورغم أن اراسموس قد خاطب البابا ليو العاشر بشأن التناقض في الترجمة الإنجيلية المعتمدة عند الكنيسة الكاثوليكية Vulagate's discrepancies برقة وأدب شديدين، إلا أن هذا لم يقلل من خطورة ما أقدم عليه بنشر نص يوناني للإنجيل يختلف في بعض معانيه مع النص اللاتيني المعتمد. ورغم أن اراسموس لم يهاجم عقيدة التثليث، إلا أن نشره لنص إنجيلي خال من الإشارة إليها جعل الأعمال التي راحت تنكر فكرة التثليث بشكل مباشر تتوالى تباعا، حتى اتخذت شكل حركة بكل معاني الكلمة، تفاعلت بها أوروبا كلها، حتى أنها في تأثيرها الديني لم تكن تقل خطرا وأهمية عن حركة مارتن لوثر ورفاقه وإن كانت آثارها السياسية أقل قيمة. لقد كتب مارتن سيلاريوس Martin Cellarius (1499-1564) الذي كان تلميذا ليوحنا رخلن Reuchlin، وكان أيضا تابعا وصديقا لمارتن لوثر، مهاجما فكرة التثليث. وفي 1527م أيد آراءه هذه بكتاب نشره في ستراسبورج Strasbourg أسماه De Operibus Dei.

     

     

     

     

    ظهور مايكل سرڤتوس وإحراقه

     

     

     

     

     

    على أن المفكر الأكثر أهمية وشهرة ووضوحا في هذه الحركة المناهضة للتثليث هو سرڤتوس (1151 - 3551) Servetus الذي أصدر كتابه الشهير "خرافة التثليث" De Trinitatis Erroribus سنة 1531م. وعلى إثر ذلك "بدأ هياج ولغط كبير بين المعلمين ورجال الدين والمحامين وعلماء الطبيعة والرياضيات ورجال العلم والأدب... لقد أصيب الجميع بحالة عدم توازن فكري were all astire . لقد رحلوا من مكان إلى مكان بحثا عن الحقيقة وانخرطوا في مناقشات صاخبة. وذهبت أفكارهم كل مذهب. ففي نابلي Naples كان الشاب الإسباني يوحنا فالدز John Voldes قد كون جماعة دينية ضم إليها النبيلات لدراسة الكتاب المقدس وإعادة النظر فيه. وظلت الجمعية قائمة حتى وفاته سنة 1541م". وفي 1539م وجد ميلانشتون Melanchthon أنه من الضروري أن يحذر من انتشار أفكار سيرفيتوس على نطاق واسع في شمال إيطاليا. ثم ظهر برنارد أوشينو Bernard Ochino (1487-1565) الذي عبر سويسرا واتجه إلى لندن، وكان يحارب فكرة التثليث بكل قواه. وفي 1539م تم إحراق كاترين فوگل Catherine Vogel وكانت زوجة جواهري، وكانت في الثمانين من عمرها وذلك لاعتقادها كما جاء في قرار الاتهام "بوجود إله واحد لا شريك له، خالق كل شيء، ما نراه وما لا نراه ولا يمكن للعقل البشري أن يحيط به".

     

    ولما كان سرڤتوس Migel Servetus أكثر أفراد الحركة المناهضة للتثليث صخبا في هذه الفترة وكان له من الثقل العلمي ما يجعله جديرا بالاهتمام، لذلك لا بد أن نتوقف لاستعراض ظروفه وأهم أفكاره خاصة وأن كتب تاريخ الهرطقة فد أفردت له فصولا مستقلة. ورغم أن مؤلف كتاب "حق الهرطقة" يصفه بأنه شخص لم يكن على قدر فائق من الذكاء وأنه كان مضطرب الشخصية سيىء التنظيم،إلا أنه يعود فيقول عنه إنه كان ذا عقل قوي. ويزعم مؤلف كتاب "حق الهرطقة" أن سيرفيتوس لم يتفوق في علم من العلوم مع أنه درسها جميعا. فقد درس الفلسفة والطب واللاهوت؛ إلا أن المؤلف يعود فيقول إن له ملاحظات واكتشافات طبية رائدة.

     

     

    لقد كان سيرفيتوس يعتقد أن لوثر وكلفن وزونجلي لم يكونوا حاسمين بما في الكفاية فيما يتعل بعقيدة التثليث the dogma of the trinity كما أنهم لم يطهروا الإنجيل cleansing على حد قوله من هذه الفكرة الخاطئة. بل لقد أعلن سيرفيتوس أن مجمع نيقية Council of Nicaea قد قرر عقيدة التثليث على نحو خاطىء وقد أكد سيرفيتوس إنكاره لفكرة التثليث في عدة كتب أصدرها تباعا، وترجمت للإنجليزية حاملة العناوين التالية:

     

    Seven Books on the Errors of the Trinity (1531).

     

     

    Two Dialogues on the Trinity (1532).

    The Restoration of Christianity (1535).

    لقد تملكت الأفكار المناهضة للتثليث عقل سيرفيتوس وقلبه فلم يكتف بدعوة الناس العاديين لها، وإنما راح ببراءة يزور كل رجال الدين ليقدم لهم براهينه. كما راح يزور كل علماء عصره لهذا الغرض. ففي ستراسبورج Strasbourg زار كلا من رجال الدين المشهورين: مارتن بوسر Bucer وكابيتو Capito .... الخ، وفي بازل Basle زار اوكلامباديوس Oecolampadius ليحثه على إصدار بيان أو كتاب عن تهافت عقيدة التثليث وخطئها وأنها مقحمة على المسيحية الحقة. وكان رد فعل رجال الدين المسيحي من الكاثوليك والبروتستنت على السواء عنيفا ضد سيرفيتوس ووصفوه جميعا بأنه(مبعوث الشيطان) ويذكر تسايفج Zweig مؤلف كتاب الهرطقة أن أوكلامباديوس Oecolampadius قد طرد سيرفيتوس على نحو ما "يطرد كلب أجرب" وقد قرر أوكلامباديوس بأن سيرفيتوس ما هو إلا "يهودي أو تركي(ü). وهو كافر يجدف على الله." وحذر ونجلي أتباعه من أفكار سيرفيتوس ذاكراً أن اتباعه سيخسرون عقيدتهم المسيحية. أما بوسر Bucer فقد أعلن أن سيرفيتوس هو "ظل الشيطان" ولما يئس سيرفيتوس من إقناع الخاصة من رجال الدين توجه بدعوته إلى الجماهير فأصدر كتابه الذي سبق أن أشير إليه وهو "خرافة التثليث" بعد أن أنفق كل ما يملك لطبعه. وأعلن سيرفيتوس بوضوح أن الكاثوليكية والبروتستنتية كلاهما هراء. وظن سيرفيتوس أنه سيجد خيرا عند كالفن فراح يراسله مراسلات ضافية زاخرة بالمسائل اللاهوتية. ولكن كالفن حقد عليه حقدا شديدا، لا لأسباب دينيه فحسب وإنما لأسباب شخصية أيضا. فلم يكن سيرفيتوس يخاطبه على أنه زعيم ديني كبير. كما أنه وجه نقدا لكتابات كالفن واصفا إياها بأنها كموضوعات الإنشاء التي يكتبها الصبية. وفي آخر خطاب من سيرفيتوس لكالفن ذكر له ما نصه: " أنا شيطان؟ أنا أقترح ألا تكون بيننا مكاتبات بعد الآن. أعد إلي مخطوطاتي وكل مالي طرفك. ولكن إذا كنت تعتقد بصدق أن البابا ليس مسيحياً حقيقيا، فيجب أن تعرف أيضا أن التثليث وتعميد الأطفال هراء... إنها عقائد فاسدة".

    ورغم أن سيرفيتوس ظل هادئا بعد ذلك لبضع سنوات إلا أن حقد كالفن عليه لم ينته وراح يدبر لاستدراجه لجنيف ذاكر أنه لو دخلها فلن يخرج منها حيا. وراسل كالفن البروتستني بعض الكاثوليك في فرنسا حيث كان يقيم سيرفيتوس مذكرا إياهم بهرطقته، وتآمر رجال الدين في ليون مع رجال الدين البروتسنت في جنيف على هذا "الطبيب المجدف" على حد تعبيرهم. وقد تم سجن سيرفيتوس في فرنسا، ولكنه فر من سجنه متوجها إلى جنيف وكأنه يسعى إلى حتفه بنفسه. ودخلها في 13 أغسطس 1553م. وتوجه إلى كاتدرائية سانت بيير St.Pierre فأصدر كالفن أمره بالقبض عليه. وسجن سيرفيتوس ولاقى في سجنه كل أنواع العنت، ويبدو أن آراء سيرفيتوس كانت قد بدأت تنتشر مما أفزع كالفن لدرجة أنه كان في حاجة إلى مراسلات يرسلها في كل اتجاه ليحصل على دمغ لآراء سيرفيتوس قبل إحراقه. وفي 26 أكتوبر 1553م قرر مجلس مدينة جنيف بالإجماع وبتحريض من كالفن إحراق سيرفيتوس حياً. وتقدم بعض أصدقائه منه وهو على المحرقة طالبا منه العدول عن آرائه في رفض التثليث، ولكنه أبى.

     

    وهكذا تناقض البروتستنت مع أنفسهم. ووقعت الحركة الإصلاحية في الأخطاء نفسها التي وقع فيها أعداؤهم الكاثوليك. لقد كان الإصلاحيون البروتستنت ينظرون للمسألة الدينية من وجهة نظر أساسية وهي أن العلاقة بين الإنسان وربه يجب أن تكون حرة ومباشرة إذ يجب أن يكون الإنسان حراً ومسؤولا مسؤولية مباشرة أمام ربه وحده ودون وساطة من بشر. "إلا انهم بإحراقهم الجماعات المناهضة للتثليث يكونون قد تدخلوا بين الإنسان وربه".

     

     

    ورغم أن الحركة الإصلاحية البروتستنتية كانت تعيب على الكنيسة الكاثوليكية عدم تسامحها وإجبارها الناس على معتقدات لا يريدونها واتخاذها أساليب العنف والإحراق ضد مخالفيها، إلا أن البروتستنت أنفسهم كما رأينا سرعان ما اتخذوا الأساليب نفسها التي كانوا يمجونها من قبل. خاصة ضد الموحدين أو المناهضين للتثليث.

     

    وقد لاحظ بعض الباحثين في مقارنة الأديان أن " نظرة الإسلام السني تشبه على نحو ما نظرة أتباع الحركة المناهضة للتثليث Unitarianism ورغم أن سيرفيتوس كان واحدا من كثيرين قالوا بعدم التثليث إذ أن القائلين بهذه الأفكار كانوا يشكلون حركة - إلا أن شهرته واحتفاء المراجع به ترجع إلى أن الرجل لم يكن نكرة في عالم الدين والعلم. فهو عالم وطبيب ولاهوتي من أصل إسباني ودارس متعمق للقانون. لقد كان قمة من قمم العلم في القرن السادس عشر. ولا يخلو كتاب من كتب تاريخ العلوم من الإشارة إليه، فقد ترجم كتاب الجغرافيا لبطليموس Ptolemy's Geography وهو أحد المكتشفين الكبار لتركيب الدم وحركة الدم في الرئة the pulmonary circuiation of the blood كما كان عالما في مجال التشريح ووظائف الأعضاء، ورغم إحراق سيرفيتوس فإن أفكاره لم تمت. فسرعان ما دافع عن أفكاره صديقه عالم النبات ليوناردفكس Leonard Fucks ولعل كون سيرفيتوس من أصل إسباني، بالإضافة لاتهام أعدائه له بأنه تركي أو متأثر بالترك،   لا نستبعد بالقدر نفسه أن تكون أفكاره هذه مستقاة من أصول إنجيلية صحيحة.   

     

     

    والواقع أنه عندما أحرق أهل جنيف سيرفيتوس أحرقوا معه كل طبعات كتبه فيما عدا نسخاً قليلة وتكفلت محاكم التفتيش بإحراق النسخ التي كان بعض الناس يحتفظون بها لأنفسهم، لهذا وجدنا المراجع تختلف اختلافا شديدا فيما ذهب إليه سيرفيتوس. ففي حين نجد بعض الباحثين يذكرون أن سيرفيتوس يجعل المسيح  إلها وحيداً للكون  نجد مراجع  تذكرأن  Moore   أن سيرفيتوس كان يعتقد أن المسيح نفسه هو الله،   ويذكر باحث آخر أن سيرفيتوس كان باختصار ينكر قدسية المسيح. ولسنا نجد تفسيرا لموقف الذين قالوا إن سيرفيتوس ذكر أن المسيح نفسه هو الله، إلا أنهم بعد إحراق الرجل أرادوا أن يخففوا التهمة الموجه إليه، على اعتبار أن إنكار ألوهية المسيح، هو أقصى درجات الكفر بالنسبة للمجتمع المسيحي، سواء كان كاثوليكياً أم بروتستنتياً. ولما كان سيرفيتوس أحد علماء عصره، ومخافة أن يتأثر بأفكاره الدينية قوم آخرون، لذا جرى تشويه هذه الآراء. وتلك مسألة معروفة في التاريخ الكنسي خاصة،  لقد كان ميلانشتون، ساعد مارتن لوثر الأيمن، قد كتب إلى كالفن ذاكرا أن سيرفيتوس يستحق كل عقاب، وأنه - أي ميلانشتون - يوافق على أي عقاب ينزل به. والواقع أن كالفن لم يكن يطيق المختلفين معه في الرأي، فقد أجبر على سبيل المثال لاهوتياً آخر على مغادرة جنيف وهو كاستليو Sebastian Castellio فتركها له سنة 1544م. ومهما يكن من أمر فقد رفضت الكنائس الأوروبية اعتبار المناهضين للتثليث مسيحيين بينما اعتبروا هم أنفسهم المسيحيين الحقيقيين، ورأى عدد كبير من المسيحيين وهو عدد ليس بالقليل أن السيد المسيح مجرد شخص مميز ورفضت الكنائس الأوروبية الرسمية ذلك.

     

    تبلور حركة المناداة بالتسامح الديني نتيجة اضطهاد المناهضين للتثليث. يجمع الباحثون في تاريخ الأديان من الأوروبيين أن الأضطهاد الذي لاقاه المناهضون للتثليث من قبل الكاثوليك والبروتستنت على السواء هو الذي بلور المناداة بالتسامح الديني toleration ففي سنة 1551م أعلن كاستيلو Sebastian Castellio أنه لا ينبغي أن ترتكب الجرائم لفرض عقيدة ما فيجب أن تكون حرية الاعتقاد مكفولة. لقد اهتز الضمير الأوروبي نتيجة إحراق سيرفيتوس، وإحراق مسيحيين آخرين لا يدخلون تحت حصر بتهمة الهرطقة التي كانت تعني في المقام الأول إنكار التثليث. فرغم كلمات لوثر التي تنص على أنه" لا يجب استخدام العنف ضد الهراطقة وإنما علينا أن نهديهم بكلمات الله، فالهرطقة مسألة معنوية روحية لا يمكن أن نغسلها بنار الأرض ومائها". ورغم هذه الكلمات فقد تم إحراق ما لا يقل عن عشرة آلاف مسيحي في قرن واحد تحت شعار العقيدة الحقة. رغم أن لوثر نفسه كان قد أتهم بالهرطقة. ورغم هذا فإن البروتستنت لم يأخذوا العبرة من ذلك فشاركوا في إحراق كثيرين من بينهم نساء بل وأسر كاملة حيث كان يساق للحرق كل من الزوج والزوجة والأبناء وأبدى بعض المحرقين تمسكا وشجاعة فقد ذهبت امرأة للمحرقة كأنما هي "ذاهبة لعرسها" وأحضروا زوجة رجل وأولاده بالقرب منه قبيل احتراقه ليعود عن معتقده فرفض حتى ولو جعلوا له "ملء الأرض ذهباً" على حد قوله. وصرخ رجل وهو يحترق قائلا، "لقد أخفيتم حقيقة الانجيل فترة طويلة" وقد أورد براندت تفاصيل مذهلة عن حفلات النار هذه استغرقت من كتابه ذي القطع الكبير حوالي 40 صفحة، وكان يدخل ضمن الهراطقة الذين أحرقوا أولئك الذين يعارضون "سلطة البابا والمناهضون لتعميد الأطفال".

     

     

     

     

    أشينو

     

     

    ومن أقطاب الحركة المناهضة للتثليث برناردينو اوتشينو Bernard Ochino الذي حارب عقيدة التثليث بكل قواه على أساس أنه لم يجد لها سندا في الأصول الإنجيلية. ومن الأمور التي قال إنه لم يجد لها في الأصول الإنجيلية سندا مسألة تحريم تعدد الزوجات. إذ قال إنه مباح وإن العبارات الإنجيلية التي فهم خطأ منها المنع، يجب أن تحمل على سبيل المجاز وأن من فهم أن تعدد الزوجات ممنوع لا يفهم اللغتين اليونانية واللاتينية. ولقد اعتمد أوشينو في تفسيراته تلك على ترجمة كازيليو Casellio الإيطالية للإنجيل والتي رفضها كالفن. وبطبيعة الحال فقد حارب كل من الكاثوليك والبروتستنت آراء أوشينو عن تعدد الزوجات كما حاربوا إنكاره لفكرة التثليث.

     

    ولم يكن برنارد أوشينو شخصا عاديا بعيدا عن علوم الدين المسيحي وإنما كان من أكثر رجال الدين شهرة في عصره مشهودا له "بطاقاته الروحية وبركاته" على حد قول مؤلف كتاب "الإصلاح الكاثوليكي" بير جانيل. وقد ترقى في السلك الكنسي إلى رتبة كاردينال سنة 1538م ولكنه سرعان ما فتن بالبروتستنتية فاعتنقها وظل فترة حائرا "بين العقيدة الصحيحة والهرطقة"، وكان له اتصالات بالحركة الإصلاحية الدينية في إنجلترا.

     

     

    أما داڤيد يوريس David Joris (1501-1556) فقد ذكر في كتابة الموسوم باسم Wonder Book والصادر سنة 1542م أنه لا يوجد إلا "إله واحد   sole لا يُرى. وأنه لمـــن الحمق أن نتصوره في ثلاثة أشخاص أو ثلاثة ذوات أو نتصوره على هيئة ثلاثية".

     

    لقد هاجر آلاف من معتنقي فكرة الإله الواحد من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا هروبا بعقيدتهم إلى انجلترا خلال حكم هنري الثامن وكونوا كنائس أسموها كنائس الغرباء. وبهذه الهجرة  دخلت الحركة في مرحلة أخرى إذ بدأت أفكارهم تتفاعل في شمال أوروبا". ولكـن حظ المناهضين للتثليث في إنجلترا لم يكن أفضل من حظهم في سواها، ففي إبريل 1548م عينت  لجنة لبحث أمور الهراطقة، وقد مثل كثيرون من التجار وأصحاب الحرف أمام هذه الهيئة في شهر مايو من العام نفسه. وكانت التهمة الموجهة إليهم هي أنهم يقولون "لا تثليث " 

     

     

    ذا كانت حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر ورفاقه في القرن الساس عشر، كانت فيما يرى لامبرت امتدادا لما كان يسمى بحركات الهرطقة في العصور الوسطى فهل يمكننا القول إن الحركة المناهضة للتثليث ستتمخض عن حركة إصلاح جديدة في المسيحية؟ هذا ما ستبديه الأيام.

     

    لقد كان القرن السادس عشر هو قرن تفجر الصراعات الدينية في أوروبا، لذا كان من الطبيعي أن تظهر الحركة المناهضة للتثليث بمثل هذه القوة في هذا القرن بالذات، رغم وجود جذور لها في المسيحية. فالإسلام يقدم المسيحية من خلال القرآن الكريم على أنها ديانة توحيد، وأن ما اعتراها من فساد كان نتيجة الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليبتغوا به ثمنا قليلا. كما شهد تاريخ المسيحية الباكر خلافات مذهبية حادة حول طبيعة المسيح   ، لا تزال أصداؤها حتى اليوم، ولعل أشهر هذه الخلافات الأولى تلك التي كانت بين آريوس وأثناسيوس، لكننا بصدد بحث تاريخي في المقام الأول كما أن تفاصيل ما حدث في القرون الأولى للمسيحية تخرج عن نطاق هذا البحث

     

     

     

     

    مؤتمر الموحدين الأمريكيين

     

     

    الأريوسية

    طلاب الكتاب المقدس

    Christadelphians

    Church of Christ, Scientist (العلماء المسيحيون)[10][11]

    كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة (كنيسة LDS؛ انظر أيضاً مورمون)

    Church of the Blessed Hope (sometimes called "Church of God of the Abrahamic Faith")

    دوخوبور

    أصدقاء الإنسان

    Iglesia ni Cristo (Church of Christ)

    كنيسة بني إسرائيل للرب في يسوع المسيح

    شهود يهوه

    La Luz del Mundo

    Members Church of God International

    مولوكان

    Monarchianism

    Muggletonianism

    New Church

    أعضاء عديدون في Non-subscribing Presbyterian Church of Ireland

    Oneness Pentecostals

    الإخوان الپولنديون

    بعض Quakers

    Shakers

    سوسينية

    Strict and Particular Evangelicals

    سويدن‌بورگية

    The Way International

    True Jesus Church

    Two by Twos (sometimes called The Truth or Cooneyites)[12]

    Unification Church

    Unitarian Christians

    Unitarian Universalism

    أشخاص

     

    Sabellius, ~220 (Modalist: the eponymous heresiarch of Sabellianism, or "monarchic modalism")

     

     

    اوريجن ح. 230 (أبو معاداة العقيدة النيقية، subordinationist: اعتبر الابن شريك في الخلد مع الرب، إلا أنه خاضع لمشيئة الأب، ولكنه ليس أقل منه في الجوهر)[13]

     

     

    Paul of Samosata, 269

    أريوس، 336 (صاحب البدعة الشهيرة التي تحمل اسمه الأريوسية)

    Eusebius of Nicomedia، 341، عمـَّد الامبراطور الروماني قسطنطين الأكبر

    قسطنطيوس الثاني، الامبراطور البيزنطي، 361

    Antipope Felix II, 365

    Aëtius, 367

    Ulfilas, Apostle to the Goths, 383

    Priscillian, 385, considered first Christian to be executed for heresy

    Ludwig Haetzer, 1529

    مايكل سرڤتوس، 1553، حرق على الأعواد في جنيڤ في عهد جون كالڤن

    Sebastian Castellio, 1563

    Ferenc Dávid, 1579

    Justus Velsius، ح. 1581

    فاوستو سوتسيني، 1604

    John Biddle, 1662

    جون ميلتون (شاعر)، ح. 1674[بحاجة لمصدر]

    Thomas Aikenhead, 1697, last person to be hanged for blasphemy in Britain

    جون لوك، 1704[14]

    إسحق نيوتن لم يؤمن بالتثليث كما دوّن ذلك في رسالة إلى صديق، محفوظة الآن في The New College Library في أكسفورد، المملكة المتحدة، المخطوطة 361(4)، Two Notable Corruptions of Scripture (part 1: ff. 1-41).[14] وقد سرد "عبادة المسيح كإله" ضمن قائمة "الوثنية Idolatria" في كراسته اللاهوتية.[15] إلا أنه لم يعلن على الملأ معتقداته المنكرة للتثليث، خوفاً من فقدان منصبه.[16]

    وليام ويستون، 1752، طـُرد من جامعة كمبردج في 1710 لأريوسيته؛ اشتهر بترجمة يوسفوس

    Jonathan Mayhew, 1766

    Emanuel Swedenborg, 1772, eponymous founder of Swedenborgianism.

    بنجامن فرانكلن، 1790، Deist[بحاجة لمصدر]

    جوسف پريستلي، 1804

    جوسف سميث، 1805، modalist (أثناء كتابة كتاب المورمون) ولاحقاً monolatrist، مؤسسحركة قديسي اليوم الآخر (المورمونية)

    توماس پين، 1809[بحاجة لمصدر]

    Mary Baker Eddy، 1821، مؤسسة العلم المسيحي

    توماس جفرسون، 1826، Deist[بحاجة لمصدر]

    جيمس ماديسون، 1836,Deist[بحاجة لمصدر]

    William Ellery Channing, 1842

    Robert Hibbert, 1849

    John Thomas (Christadelphian), 1871

    رالف والدو إمرسون، 1882

    Robert Roberts (Christadelphian), 1898

    Benjamin Wilson, 1900

    James Martineau, 1900

    Félix Manalo, 1914

    Charles Taze Russell, 1916, founder of the Bible Student movement andJehovah's Witnesses, author of Millennial Dawn

    Eliseo Soriano, 1947

    William Branham, 1965

    هربرت و. أرمسترونگ، 1986

    انظر أيضاً

     

    Bibliotheca antitrinitariorum

     

     

    Consubstantiality

    Free Christianity

    Servetism

    Subordinationism

    التوحيد

    Unitarianism

    Urantia Foundation

     
  •